الرئيسية سلايدر صغار الغشاشين أو اللعب مع الكبار 

صغار الغشاشين أو اللعب مع الكبار 

10 يونيو 2019 - 16:54
مشاركة

جميل جدا أن يشعر تلاميذنا بأن شيئا ما قد تغير فعلا وأنه لم يعد بالإمكان اللجوء إلى أساليب الغش القديمة منها والحديثة ..
والأجمل من دلك كله أن تتعبأ أكتر من جهة واحدة فتتدخل الشرطة القضائية والقوات المساعدة والسلطات المحلية مصرين على أن يسود في مراكز الامتحان جو من الحذر و اليقظة ..
إلى درجة تجعل أبناءنا يتأكدون من أن الوزارة الوصية مستعدة للضرب بالحديد على يد كل من يحاول الوقوف في طريق إصلاح منظومتنا التربوية ..
علما أن الوزارة سبق ان هددت كل من تورط في حالة غش في امتحانات البكالوريا بعقوبات حبسية وأخرى زجرية ستطال كل مترشحة أو مترشح ثبت بحوزته هاتف نقال أو لوحة إلكترونية أو ما شبهه .
بحيث لا يسمح للتلاميذ إدخال أي وثيقة غير التي تسمح بها لجنة اﻹمتحانات بالمراكز ، و انه سيتم معاقبة الغشاشين ولو باستعمال الاساليب القديمة أو اللجوء الى الأجهزة الالكترونية .

المهم أن كل الإجراءات المتخذة تؤشر بأن النوايا تتجه نحو رغبة الجميع في رد الاعتبار للشهادات التي تمنحها الدولة المغربية ..
حتى لا يبقى التشكيك متواصلا في مصداقيتها أو يضعف من قيمتها من جهة و خدمة للمصلحة العليا للوطن والمواطنين  من جهة أخرى ..

إلى دلك يمكن اعتبار كل ما دهبت إليه الادارة الجديدة .. انها هذه اجراءات مطبوعة بالجدية و الصرامة ، وهي طبعا تثلج الصدر وتدعو إلى الارتياح وهدا شعور كل مغربي غيور على بلده ويهتم بمستقبل أبناءه ..
ولو أن البعض يرى أنه كان على الوزارة أن تتخذ كل الاحتياطات اللازمة قبل أيام الامتحان بأيام و شهور ودلك مند بدء الموسم الدراسي وخلال الأيام الأولى لتسجيل التلاميذ بأقسام التعليم الأولي .
وليس في الأمر مبالغة أن تشدد من مراقبتها لما يجري داخل الفصول الدراسية وتمكن مدرسيها ومفتشيها من أدوات الاشتغال ووسائل النقل للوصول إلى القرى والمداشير النائية في ما يشبه المصاحبة المستمرة للوقوف على حقيقة الوضع التعليمي بالمغرب. ..

أما خلال يوم الامتحان فيكفي وضع أجهزة التشويش الإلكترونية بساحات مراكز الامتحان لإحباط إختراقات قراصنة العالم الافتراضي ..
هؤلاء الذين يسعون كعادتهم لاستعراض مهاراتهم  من جهة و لإبطال عمل هواتف النقالة والآلات المشابهة من جهة أخرى ..
مع تأمين الحجرات والفصول الدراسية كي لا يقتحمها الغرباء .. ولا بأس من الاستعانة – إدا أمكن – بكاميرات مراقبة لمتابعة كل مجريات الأمور. ..

لكن هل على الوزارة وحدها تقع مسؤولية خوض معارك ضارية في الغش والاحتيال ضد التلاميذ و الطلبة .. هده المعركة الخاسرة التي تزداد ضراوتها من يوم للآخر ؟
في الحقيقة الكل يعلم بأن كل الوزارات مدعوة اليوم إلى القيام بدورها في مقاومة هدا السلوك المشين الذي طبع حياتنا اليومية : فأسواقنا للأسف تعج بكل ألوان الغش والخديعة  :

فلشراء التوابل مثلا عليك أن تكون خبيرا في مهنة العطارة وإلا فقد تقتني كتير من الأتربة ممزوجة بقليل من التوابل ، أما عند شرائك للبن فيجب أن تحتاط حتى لا تكتشف بأنك اشتريت الماء ولا شيء غير الماء ..
وقس دلك على بائع الملابس ، و التاجر صاحب الأجهزة المنزلية و كذلك عند الجزار و بائع الخضر و الأكلات السريعة ..إلخ

أما إن فكرت في شراء قطاع غيار السيارات أو حتى اقتناء شقة فيجب أن تستعين بخبير وإلا وقعت في فخ النصب والاحتيال ..
ومع انتشار طرق التقليد بالاستعانة بالأجهزة المتطورة فإنك حتما ستقع فريسة سهلة في يد أباطرة التهريب والسلع المزورة .. ولن تقوى على فعل أي شيء اللهم أن ترفع يدك للسماء مناجيا ربك أن يجيرك في ما ضاع منك وراح .

والأنكى من دلك كله أنك قد تصادف شخصا ما فتتعاقد معه على اعتبار أنه يمثل جهة رسمية ما ، إذ لن يتردد في تقديم نفسه إليك كممثل وزارة أو أنه الوزير نفسه ..
فتعلق عليه كل الآمال وتمنحه مالك و ثقتك .. تم يختفي فجأة  و لن تعتر عليه أبدا .. فتبحث عنه في كل الأمكنة المعتادة لتكتشف بعدها بأنك كنت تطارد خيط دخان.
وهكذا أصبح مجتمعنا المعاصر : كدب وزيف .. وإدعاءات بالجملة  ..وغشاشون يتربصون بنا من كل جهة وعلى غفلة منا قد تسرق كل أحلامنا  بل تهدم كل ما بنيناه مند عشرات السنين بين عشية وضحاها .. لدلك لابد من تعبئة كل الوزارات لمواجهة هدا الخطر القادم الذي يكبر فينا ليل نهار ويهدد مستقبل بلدنا .

أما الغشاشين الصغار فعلينا أن نعلمهم نحن الكبار معنى الوفاء للوطن والإخلاص في العمل مند أن تطأ أقدامهم الصغيرة حجرات الدرس .. و عند مرافقتهم لنا للتبضع أو لولوج مكاتب إداراتنا .. أو حتى مشاركتهم لنا في حملاتنا الانتخابية ..
أو عند متابعتهم معنا لأشغال البرلمان .. فهؤلاء – والله – مظلومين و لا ذنب لهم سوى أنهم فتحوا أعينهم فوجدوا أنفسهم يعيشون في ما يشبه غابة ذئاب : حيت المكر والخديعة.
وعليه فينبغي التصدي لكل أنواع الغش في المجتمع ليس فقط عن طريق تنظيم الندوات وتقديم النصائح ، ولكن أيضا من خلال تغيير سلوكنا ومراقبة تصرفاتنا أمام أبنائنا بما يجعلهم يروا فينا المثل الأعلى و القدوة الحسنة ..
أما إن كان ولابد من  التصدي لظاهرة الغش أو معاقبة مرتكبيه فيجب – في الحقيقة –  تقويم سلوكنا كآباء وأولياء الأمور و كمسؤولين و أرباب معامل .. بما يتلاءم مع الأخلاق الفاضلة  و القيم النبيلة ..
فالغشاشين الكبار هم أحق بالجزر و العقاب لأن أكترهم لا تؤتر فيهم المواعظ الحسنة  ولن ينفع معهم ترغيب في تواب ولا ترهيب من عذاب اللهم الضرب في المليان على حد تعبير إخواننا المصريين .
بقلم : عبدالحق الفكاك