الرئيسية اعلام كيف السبيل للوقوف في وجه عولمة التفاهة

كيف السبيل للوقوف في وجه عولمة التفاهة

25 يونيو 2023 - 17:35
مشاركة

بقلم: عبد الحق الفكاك

” ما يطلبه المشاهد ” او ” الجمهور عايز كده ”
عبارات حاول من خلالها العديد من ” المخرجين ” تبرير الانتاجات الفنية الركيكة التي كانت تعرض قديما في دور السينما او على خشبة المسرح ،على الرغم من انها كانت قليلة مقارنة مع الانتاجات الإبداعية الضخمة التي كانت أيامها تستقطب آلاف المشاهدين .

في عصرنا هذا تعود نفس العبارات بقوة أكبر من ذي قبل ،تبشر بعودة السطحية و الهراء، وتزايد اعداد السدج والتافهين ،الدين يقنٓعون بالقشور ويستغْنون عن سبر اغوار الثقافة والمعرفة.

إنها التفاهة التي سحرت عقول الناس وجعلت اكثرهم يلهت يبحث عن الشهرة والنجومية ، لا هم لهم سوى جمع المال وبأية طريقة كانت .

المهم هو الترويج لمحتوى رخيص، يفتح شهية الفضوليين و ويغدي شهوة الصغار كما الكبار ،شريطة خلوه من اية دعوة للتفكير او إعمال للعقل ولا تشم فيه رائحة المبادئ والقيم الأخلاقية .

للاسف ، لقد فقدت الثقافة بريقها وما عاد مبدعونا يحملون إلتزاما ثقافيا تجاه مجتمعاتهم ، ولم نعد نسمع قصائد ولا أغاني تحرك الجماهير أو تحرض على الديمقراطية.

هل تم اختزال الحياة في الانغماس في شهوة البطن و الجنس حتى الندالة؟ و الاكتفاء بالعيش كالدواب
بلا ضمير ولا تفكير ؟

لقد انتصرت الرأسمالية المالية ،فاصبح الكل يُسبٍح بسلطة المال ،و الولاء كل الولاء للوسطاء والمضاربين وانصار شبكات التواصل الاجتماعي، ولا احد يكثرت بما هو اسمى من معاني الحياة .

فبحكم توسع نشاط شبكات التواصل الاجتماعي وما صاحب هذا التطور التكنولوجي من طفرة نوعية تمثلت في سرعه نقل المعلومة ،حيث صار ما بات يعرف بالمجتمع الافتراضي يتغلغل في واقعنا المعاش الى درجة قد يصعب معها الفصل بين الحقيقة والخيال .

ولان الامر اشبه ببنية منفصلة عن عاداتنا وتقاليدنا التي وجدنا عليها ٱبائنا ، فانه لم يعد بالإمكان التصدي لهذه الظاهرة العابرة للقارات .

ثم ان الناس – ولأسباب اجتماعية – سال لعابهم طمعا فيما تغدقه شركات التواصل الاجتماعي من اموال مقابل ما ينشر حتى ولو خالف العرف والاخلاق .

واللافت للانتباه هو انخراط كل فئات المجتمع في هذه الدوامة : الكل يتقاسم في العلن ما يصح ولا يصح من سلوك وآراء ،قد يصنف الكثير منها خارج المألوف.

وان الامر هنا ليس بموضة عابرة وانما هو توجه عام يكاد يؤطر عالم اليوم ، وتتحكم فيه دهاقنة الراسمالية ومنظري فلسفة العصر الجديد.

ولا امكانية لمخالفة هؤلاء، لا من قبل الآباء او أولياء الأمور ،ولا من رجال الدين أو الاخلاق ، ولا جدوى من تدخل الدولة أو إعمال القانون، لان الكثير من الحسابات المفتوحة هي بأسماء مزورة ويصعب تتبع اصحابها او معرفة اصلهم ولا فصلهم ، وبالجملة، لا سبيل لإعتراض هذه الموجة العالمية الكبرى.

هو اختراق إذا، تسلل الينا من بوابة العلم والتكنولوجيا ، اختراق سلاحه الاغراء والاغواء وغايته الضبابية والمجهول.

انه العبث الذي حول الثقافة إلى تنشيط سطحي و ملهاة جوفاء ، فلم تعد الثقافة ميدان للابداع والإقناع ، ولم يبقى على الرفوف سوى كتب الطبخ و التسلية ومجلات التخسيس والموضة.

هكذا هي الأمور في عصر التفاهة، الكل يغرد خارج السرب واغلب ما يقدم على التلفاز او المسارح ودور السينما بضاعة تشم فيها رائحة الجشع وحب المال، ولا غرابة في ذلك طالما انتصر الابداع لضمير الأنا على حساب التفكير للجماعة ومستقبل هذه الأمة.

ان التفاهة اليوم وبعد ان نجحت نسبيا في تسليع الثقافة وتدجين رموز المجتمع بعد اقتلاع جدور المعرفة من عمقها الأصلي ،ليحل محلها ” عبث ” لا ارتباط له بالواقع ، اللهم في تشابه اسماء الأماكن والشخصيات.

هل اصبحت التفاهة اليوم تلعب دور الاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وصارت بقدرة قادر تقودنا نحو التغيير نحو عالم منفصل يعاني من انفصام الشخصية ؟؟

ان القلة القليلة ممن رفضوا السباحة مع التيار وهم فئة صغيرة من الفنانين والاعلاميين من ذوي الضمائر الحية مطالبين اليوم للوقوف سدا منيعا في وجه عولمة التفاهة من خلال نشر الوعي بخطورة التطبيع مع التافهين و كشف مشروعهم المتمثل في السعي الحثيت الى تحويل التفاهة الى نظام اجتماعي جديد.